الاثنين، 15 أكتوبر 2012

المخَـرج المناسب.



-1- 

كنت أشعـر بالروتين يفترِسني، و يُفسِـد عليّ محاولاتي الجادّة للتأقلم مع المحيط بأدق جزيئاتهِ. 
الروتين الذي لا يترك لك فرصةً لتتحدث، لتفعل، لتكتب، لتقرأ، لتستشعِـر بأحاسيسك كلها عظمَة الموسيقَى. الروتين الذي سيطَـر على تفاصيلي الصغيـرة لفترة، كنت أشعـر اتجاهه باللانتمَـاء، أنـا الصبيّـة التي تطيـر لمغامراتها و حياتها الملوّنـة. كنت أشعِـره على الدوام بأني سأثور عليـهِ، ثورةً تامة ستُختم بالنصَـر، الخوف وحده كان قيدي. الخـوف من الفَشل، لكني الآن أعتقِـد بأني بدأت في المرحَلة الحاسمة من الثورة. المرحَـلة التي تستوجب أن اكون حاضرةً بإرادتي كلها، بصوتي بصورتهِ الكاملة و بالنفَس الطويل. النفسَ الذي لن يخـذِلني أخيرًا. 
مُنـذ الثامن من سبتمبَـر، اليوم الدراسي الفعليّ الأول ركَلت الصبيّـة اللامباليـة و استحضرت الحازِمَـة. الصبيّـة التي تُمسِك بزمام الأمور، تتقبل ساعات الدراسَـة الطويلة برحَـابة، تبتسِـم صباحًا، تصنع مزاجَـها و تقتل التَـذمر. نعم حتَى الآن و خلال السبعَـة أسابيع الماضيّـة استطعت أن أحصِـد نتائجًا مرضيّـة. ستتحسَن مع مرور الوقت بشكلٍ ملحَـوظ. 



-2- 

بعض الصديقات و خلال الخمسَـة أعوام الماضيّـة كانوا يطلقون عليّ لقَب "ماما". اللقب الذي يُشعِـرني فجأةً بأن هذا العالـم سيسقط بشكلٍ مباغت، و أن كل ما علي أن افعله هو أن أتخيّر اللحظة المناسبة لأمدّ فيها يدي، و أنقِـذ الموقف. الأمَـر مخيف، أقصِـد أن أظل متيقظَـة على الدوام تحسّبًا للنداء، دون أن يسرقني الوقت في تأملِ الفَن، أو إعداد كوب القهَـوة أو الانغماس بشكلٍ فعليّ في القراءة. هذا القلقَ جعلني أتخيّـر لقب "الشجَـرة" التي تبقَى واقفـةً أمام عوامَـل التعريّـة، أمام احتضاراتها الداخليّـة. الشجَـرة التي تصفَـرّ دون أن تسقط. الشجَـرة التي تبقي لأصدقائها مساحة الظِل الكافيّـة، دون أن تسألهم أن يطلقوا عليها اسمًا لطيفًا، يشَـاركونها أغنياتهم المفضَـلة أو حتَى أن تسَـألهم حقها في السُقيـاء. أنَـا الصبيّـة الشجَـرة التي تلقَت اللوّم من أصدقائها حينَ قالت يومًا : "أصعب اكتشـاف هو اكتشافك بأن قلبكَ شجرة. و أن اصدقائك يتوددون لشجَـرة قلبك كلما شعـروا بحاجتهم للظلّ، ثم يتركونك وحيدًا." أقول أني اتنـازل للعالـم عن هذا الدور. عن هَـذا القلق المستمِـر. 



-3-  

كنت أفكِـرّ جديًّـا في فكرة أن ابدأ بكتابـةِ يومياتي، لكني دومًا ما أجِـد الوقت المزدحم عائقًا للفكرة. هذا غيـر أن السؤال الشَـرِس الذي يقول: "عن ماذا ستكتبين بما أن ركضك بينَ قاعاتِ محاضراتك يسلب منكِ ثلثي يومكِ؟" يهشِّـم لحظات الإرادة التي كنت أحاول أن ابقيهـا حيّـة لوقتٍ أكبر. كانت لي تجـربة مع تدوين اليوميات ورقيًّـا و كانت تجربـة ضعيفة، لأنني غالبًا ما أنسَى أن أحمِل دفتر اليوميات معي خلال يومي. التجربـة الآخرى التي كانت عبر موقع كنّاشَـة، كانت تجربـة يُسيطر عليها التهاون من قبلي. و لهذا أستطيع أن أقـول أن شغفي لكتابتها لم أوظفه بالشكل المطلوب. 
لكني سأفعلها يومًا. 
سأفعلهـا لأنني لا أودّ أن أكون ورقـةً ساقطةً من حسابات العالـم دون أن أبقي لي أثرًا. سأترك لهذا العـالم شيئًـا يربطني بهِ حتَى بعد أن أودعـه، لتقول أمي: أوه، لقد كانت صغيرتي ناضجةً بما فيـهِ الكفاية. لقد كانت قويّـة لم تستسلم لليأس الذي كان يحاول أن يطرق قلبها بشكلٍ متكرر. 
ستقول أختي: لقد كان تؤلـمها شجاراتنا الصغيرة، لقد كانت تهتم لي. تهتم و كأنني ظِلها الذي تخـاف أن تخفيـهِ الليالي الطويلة. 
سيقول أبي: لقد كانت مكافحـة، و لا إنصياعهـا لصوتِ القبيلة كان صائبًا. صغيرتي التي كانت تجمعني بها صداقةً عميقة، كانت تأخذ هذه العلاقَـة على محمل الجدّ. 
سيقول صديق ما: لقد كانت تخجَـل من فكرة أن تلوذ إليّ من كابوس عابر. هذه الصبيّـة التي جمعتني بها الصَدفة في الوقت الضائع، رحَلت بشكلٍ مباغت. 
ستقول أنتَ: يا للخسَـارة. يا للخسَـارة. و تسقط. 



- 4 - 

* هذه المسافَـة ما بيننا تخدِش إحساسي بالرضا يا صديقتي. 
* كيف يقل وهجكِ في انعكاساتِ صوتي، أنتِ التي بقيتِ محافظةً على دور الكتف القريب؟ الكتف الذي لا أميزه الآن.
* و أنـا؟ أنا التي اعتادت على أن تجِـد العلاقة الخفيّـة بينكِ و أطفال السعادة الراكضَـة في الصدر، كيف اغفر للوقت الذي يمرني دونكِ؟ 
* و أنـا؟ أنا التي تصنفكِ كأغنيّـة تكسِر روتين الحيـاة، كيف انتصِر على استحالة عودتنا كجسدٍ و ظله؟ 
* و أنـا؟ أنا التي كنت أسدِد الشتـائم للعالم ثم ألوذ لظلكِ، كيف أغلق الباب ما بيني و بين العالم الجائع لمشهـدٍ حزين؟ 

إنني اعيد كتابـة هذا لكِ، من باب التأكيـد. أو لعلي افعل هذا لأثبت لكِ بأن الميـاه ما عادت تجريّ بشكلٍ مثالي في مجاريهـا، و بأن المسافة ما بيننـا ممتدة. ممتددددددة ! جدًا. 



-5- 

في هذه اللحظَـة احتاج لدليلٍ حقيقي. دليل للمزاج، لأحدد ما أنـا عليـهِ الآن و اختـار المخرج المناسب. 



-6-

اكتب هذه التدوينـة بينما أنا انصِت بجوارحي للسيّـدة العظيمة وردَة -رحمها الله- و : بودّعَـك
الأغنيّـة التي لا زِلت أنسج حولها ألاف الحكايـا في كل مرةٍ استمع لها. استمعوا لها. اصنعوا قصصكَـم، بينما يدٌ تمتَـد نحوّ الفراغ و الآخرى صوب القلب. 



هناك تعليقان (2):

  1. الفاضلة روان

    كلما قرأت لك أو للشباب أمثالك أكثر زادت قناعاتي بأن مشروع التنوير العربي قادم لامحالة، هذا التنوير الذي به وبه فقط يمكننا أن نعتق العقل العربي من شرنفته التي عقلناه فيها منذ أمثر من 800 عام حين حرقنا في القرن الثاني عشر كتب ابن رشد التي احتضنتها اوروبا فكانت التمهيد المطلوب لتفجير أعظم ثورة فكرية في التاريخ البشري وهو الثورة التنويرية التي أطلقت العنان للعقل البشري ليبحث حرا من أي قيد في كل البيئة المادية والاجتماعية للبشرية فأنتج ما نحن عليه الآن من تقدم مادي واجتماعي وما يمكن أن يتبع ذلك من غزو للكون,

    إن ما سطره حرفك حول الحاجة للثورة الفكرية التي تتفاعل في ذهنك ما هي الا ارهاصات للثورة العربية التنويرية التي تتفاعل في أذهان الشباب أمثالك.

    لقد وضعت يدك على جوهر مقومات هذه الطريق، بداية حزم في الإرادة لايلين، يلازمها نهم للعلم والثقافة لا حدود لها، وتغذيها فكرة متكاملة حول من أين نبدأ، لا يمكن للتطور الفكري عند الشخص أو الجماعة أن ينطلق إلا إذا بلور فكرة الانطلاقة،وفكرة الانظلاقه هي البداية وبالتالي ليس من الضروري ان تكون فلسفة متكاملة للمجتمع بل هي المدخل لذلك، لكن فكرة البداية لا بد ان تكون مهمة عند كل العرب بحيث يمكن من خلالها حشد أعل العقل عند العرب مقابل أهل الخرافة والقبليةوالدولارية المتحدة او المتعاونة في طول البلاد العربية وعرضها،

    في ظني لم يبق لك غير ان تختاري فكرة البدء لتنطلق طاقتك المحزونة متلاحمة مع طاقة الشباب العربي في كل مكان لتشغيل قطار التنوير العربي،

    فاضلتي روان الحياة صراع نحو التنوير طريق التقدم،ولعلي لا أبالغ إن قلت أن من اكتشف هذه الحقيقة يعيش كل حياته في حب وسعادة رغم كل انواع القهر اتي يمكن أن تعترض طريقه، ذلك انه في هذه الحالة يجد لكل شيء في الكون حلاوته ومتعته ويشكل بإرادته الحرة عالم حبه وسعادته وتقدمه،

    دمت بتفكيرك المتقد منارة لكل من يبحث عن التنوير العربي
    مع التقدير والحب

    ردحذف
    الردود
    1. لا زال حديثكَ د.يوسف يدًا تشـدّ على القلب، و تقويّ من عزيمَـة الأحلام.
      أشكر لكَ على الدوام، و إن لم أذكر لكَ هَـالة النور التي ترافق حديثكَ كلما تركتَ العنـان للشجـر في الصدر و الفكر أن يشقَ طريقه بإتجاه النور.

      حذف