الساعة الآن تشيـر للواحدة و النصف صباحًا، قريبـةٌ للسماء بعيـدةٌ عن الأرض. الآن على متنِ طائرة هبوطها سيعني انتهاء فترة الإجازة اللطيفة؛ و اختلاطي بجفافِ العاصمـة.
الآمور حتى الآن على ما يرام، المحادثات القصيـرة بيني و بين المسافرين لطيفة، أحدهم سألني بلطفٍ عمّـا اقرأه فأجبته: الضوء الأزرق.
- للبرغوثي؟
= تمامًا، لحسين البرغوثي.
- القراءة الإلكترونية تبدو عسيرة.
= تفقد معها لذة ملامسةِ الورق، لكنها جيدة أمام اللحظات التي تشبه هذه.
انتهى الحوار بالنداء للرحلة المتوجهة للدمام، و ذهب بهدوء.
* ربما ستصافح حرفي يومًا؛ و تتذكر الحديث العابر بيننا و تأكد حينها أنك اسعدتني.
٢-
قاومت البكاء، بينما كانت تلتف أيدي الأطفال حول عنقي مكونَـة حلقة، و أصواتهم تتطاير بسلاسـة: روان، روان، روان !
قبلة على الخد الأيمن، قبلة على الخد الأيسر، قبلة على العين و الأخرى في الجبين. ببساطة كنت قريبة من السماء، مليئة بالحب و أشعر بالزهـوّ.
الأطفال دائمًا رُسل الجنَـة على الأرض.
٣-
كنتُ أفكر بشكلٍ جديّ هل اقرأ الآن لأن القراءة رفاهيـة أم حاجة؟ هل اقرأ الآن لأني أريد أم لأن القراءة هَـوس؟ هل اقرأ لأن رصيد الكتب التي مررت بها و هو يتكاثر يبدو مذهلاً، أم لأن النفس البشريـة فيني تتهذب بالقراءة؟ هل اقرأ لمجرد القراءة؟ هل اقرأ لأنني بحاجة لأن اقيم صداقاتٍ مع أصدقاء لن ينسوا مروري بهم كالكتب؟ هل اقرأ لأني أودّ أن اقيم عالمي الخاص مستندةً على بطلِ روايـة؟ هل اقرأ لأن مزاجيتي تروضها القصائد؟
الاسئلة في عقلي لا تنتهي، و هذا جيد. المؤسف هو أنني لا أجد غالبًا إجابات كافيـة أمام طوفان اسئلتي، و هذا يبدو مخيف.
٤-
أشعـر الآن بالغربة، لأن الاصدقاء الذين اعتدت أن تصلني أصواتهم ما عِدت استشعـرُ الصدق فيها. أشعرُ بالغربـة لأن الكتف الذي كان يسع بكائي ما عاد دافئًا و قريبًا كما كان. أشعر بالغربـة لأن الصديقة التي تمسِك بخيط أفكاري جيدًا ما عادت قريبـة كما يجب. أشعر بالغربة لأن الموقف الذي ينتظِـر فرحتي الكبيرة قابلته بجمودٍ كبير، و لامبالاةٍ عظيمة.
أشعر بالغربـة لأن ما بيننـا يبدو مشروخًا و مهزوزًا الآن.
٥-
الطائرة الآن تهتز، ضغطي في إنخفاضٍ مُـذّ الصباح و حتى الآن و السعيّ الحثيث في حصولي على مأكولاتٍ مالحة لم يفي بالغرض. الآن أشعر بالخفّـة، الخفـة التي تثير الهلع.
لفتت انتباهي ابتسامة مضيف الطائرة اللطيف، و يده التي يلوّح بها. انتهت الرحلة ببساطة، الآن و مما يجدر بي ذكره أن صوت مروان خوري كان صديقي.
شكرًا مروان، شكرًا للمثقف اللطيف، شكرًا لرفيق رحلتي، شكرًا للإبتسامة على وجه مضيف الطيران، شكرًا لجسدي الذي قاوم بجديّـة فكرة سقوطي.